حلف الناتو بين طموحات التوسع وتحدياتها

ميدة أنور عبدالحي

بالرغم من توسع حلف الناتو في شرق أوروبا وشمالها، وتأكيده الدائم على أهدافه الدفاعية، وحل النزاعات الدولية سلمياً إلا أن هناك عدد من التحديات الدولية والإقليمية التي أصبحت تشكل مصدر توتر وتهديد لأعضاء حلف الناتو، وانطلاقاً من ذلك لابد من إلقاء نظرة سريعة على نشأة الحلف، ومن ثم الانتقال إلى أبرز التحديات التي تواجه استقراره وتوسعه.

نشأ حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) في أوج الحرب الباردة عام 1949 م، في ذلك الوقت وقعت على تأسيسه 12 دولة كان أبرزها الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، هولندا، ثم اتسع بانضمام تركيا واليونان، وبعدها ألمانيا وإسبانيا، ودول أخرى أصبح عددها اليوم 32 دولة كان آخرها انضماما فنلندا والسويد.

كان الهدف الأولي من تأسيس الحلف هو إنشاء ميثاق تعاون مشترك لمواجهة تهديدات الاتحاد السوفييتي بالسيطرة على أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية.

تم اختيار العاصمة البلجيكية بروكسل لتكون المقر الرئيسي للحلف ويشغل النرويجي “ينس ستولتنبرغ” منصب الأمين العام للحلف.

يضم الحلف حوالي 20 ألف جندي يعملون في مهام متنوعة حول العالم، حيث يحتفظ بخطة دفاع ترتكز على أنظمة الأسلحة المتطورة، والقوات المدربة على العمل المشترك، حيث شارك بعدة عمليات عسكرية كان أبرزها التدخل في البوسنة والهرسك، والتدخل العسكري في ليبيا.

تُتخذ قراراته بالإجماع فقط، ومهمة صنع القرار والاتفاق عليه تقع على عاتق الأمين العام للحلف.

وفيما يلي سيتم استعراض أبرز التحديات التي تواجه الحلف:

أولاً: التحدي الرئيسي الذي يواجه قادة الحلف هو الحرب في أوكرانيا، فهي تُعتبر في مقدمة أولويات الحلف، حيث أن دعم الحلف اللامتناهي لأوكرانيا منذ بداية الحرب وحتى الآن يؤكد أولوية هذه القضية بالنسبة لدول الحلف، واستمرارية هذا الدعم بدت واضحة من خلال قمة واشنطن الأخيرة التي عُقدت بتاريخ 10 يوليو 2024 م، ورغم أنها ليست عضواً فيه إلا أنها سرقت الأضواء.

نقاط أساسية ثلاثة واضحة أكدت للمجتمع الدولي تمسك دول الحلف بدعم أوكرانيا، وهي:

1- إلقاء الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلنسكي” خطاباً واحداً على الأقل يومياً.

2- موافقة الناتو على صياغة، في إعلانه النهائي، تعلن أن دخول أوكرانيا عضوية الحلف “لا رجعةً فيه” لكنه لم يحدد إطاراً زمنياً لذلك، وذلك على الرغم من التهديدات الروسية بأن دخول أوكرانيا الحلف يعني إعلان موسكو الحرب رسمياً على كييف.

3- إعلان الناتو عزمه تقديم 43 مليار دولار أميركي إضافية من المساعدات العسكرية العام المقبل، إضافةً إلى نقل طائرات مقاتلة من طراز إف – 16 إلى أوكرانيا، وإرسال العشرات من أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك 4 أنظمة صواريخ “باتريوت”.

ثانياً: التحدي الثاني يتمثل في التحولات السياسية التي تحدث في أوساط دول الناتو، والتغيير الدائم في القيادات السياسية، وهذا برز واضحاً في عدة قضايا منها: 

1- يوجد توترات داخلية تقف عاتقاً أمام الانسجام الكلي بين الدول الأعضاء تتعلق بكيفية صياغة الخطط الدفاعية، والسياسات الخارجية.

2- تنامي الدور الاقتصادي والعسكري لروسيا والصين، أدى إلى وجود انقسام كبير في مواقف الدول الأعضاء، إذ تقف بعض الدول على الحياد، والبعض الآخر لديها مواقف ونقاط إيجابية في التعاطي معهما.

3- المعارضة الداخلية الشرسة التي تُهاجم حكومات الدول الأعضاء للعودة والتركيز على الداخل والاقتصاد، والكف عن هدر أموال الضرائب في دعم حروب خارجية مُنهكة على حساب بناء الاقتصاد الداخلي، والخدمات الحكومية للمواطن، والتي تراجعت إلى حد كبير بعد جائجة كورونا وبعد حرب أوكرانيا.

ثالثاً: التحدي الثالث يتعلق بالصعود المستمر للصين، حيث أصبح مصدر تهديد لا يمكن التقليل من شأنه بالنسبة لأمن واستقرار دول الحلف. 

لابد من القول أن أعضاء الناتو قلقين إزاء صعود الصين من ناحيتين رئيسيتين: 

1- الصين تعتبر أهم مُمكن لبوتين في حربه ضد أوكرانيا.

2- الصين تشتري بنية تجارية تحتية في أوروبا، هذه البنية لها عدة استعمالات مثل الموانئ البحرية، شبكة المواصلات، وهي تستعمل من السكان المدنيين، ولها استعمالات عسكرية أيضاً.

وعلى الرغم من هذه التهديدات فإن الدول الأعضاء في الناتو لن تتفق حتى الآن على رؤية موحدة لمواجهة هذا الصعود.

رابعاً: التحدي الرابع يتعلق بمدى استقرار النظام السياسي الأميركي واتجاهه، وهل سيتم التوجه نحو العزلة أو الانفتاح، كما أن سيناريو عودة دونالد ترامب في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية سيفرض تغييراً في علاقة أوروبا مع واشنطن، خصوصاً ما يتعلق بالجانب الأمني، وبالتالي إعادة تشكيل العلاقات مع حلف شمال الأطلسي وتحديات أمنية جديدة بالنسبة لأوروبا.

إن تصريحات ترامب التي تضمنت تهديدات بتشجيع روسيا على تحقيق مصالحها في أوروبا، وقطع المساعدات عن أوكرانيا من أجل الضغط لتحقيق تسوية سريعة قد تتضمن تنازلات كبيرة من كييف لصالح موسكو.

خامساً: أما التحدي الخامس يتمثل بنمو الظاهرات المتطرفة في الشرق الأوسط، وانتقال المهاجرين بكثافة بسبب النزاعات في بعض الدول جعل من دول الناتو أرضاً وهدفاً للأعمال الإرهابية التي لا تخلو من أفكار الحقد والنقمة على الموروثات “الصليبية” والغربية حسب تعبير المتطرفين.

حيث أن هذه النظرة الانتقامية تبرز بشكل واضح من خلال العمليات الإرهابية التي تتبناها هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة على أراضي هذه الدول.

على الرغم من هذه التحديات التي تواجه الحلف فإن استمرارية وتماسك هذا التحالف على مدى 75 عام يؤكد على التماسك والتصميم على الاستمرار بالرغم من كل مصادر التوتر والتهديد، وتنامي التباين بالمواقف وصياغة السياسات الخارجية بين الدول الأعضاء.

إن الحلف سيسعى بالتأكيد خلال الفترة القادمة إلى إنتاج سياسات موحدة، وإنشاء تحالفات وتعاونات عسكرية لسد الثغرات العسكرية، وخاصةً بالنسبة لدول بحر البلطيق: (استونيا – لاتفيا – ليتوانيا)

نضيف إلى ذلك سعي الحلف لوضع أوكرانيا على طريق واضح للانضمام إلى حلف الناتو، ولكن هذا يتطلب فترة زمنية ليست بالقصيرة.

  والأهم من ذلك هو موضوع البحث عن قيادة أوروبية، حيث تواجه أوروبا تحديات كبيرة في تحديد من سيتولى القيادة الأمنية في حال انسحاب الولايات المتحدة الأميركية، وهذا بسبب مواجهة دول مثل ألمانيا، فرنسا، بريطانيا مشاكل تتعلق بالسياسة والاقتصاد، وعدم الاستقرار الداخلي. 

ميدة أنور عبدالحي

باحث في العلاقات الدولية 

1 thought on “حلف الناتو بين طموحات التوسع وتحدياتها”

Leave a Reply to د.هاني آل غزوي Cancel Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *