على الرغم من الثوابت العامة والراسخة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، والتي لا تتبدل مع تغيير الإدارات المتعاقبة بعد كل انتخابات رئاسية، حيث أنها تنطلق من التوجهات الاستراتيجية والمصالح الحيوية للولايات المتحدة تجاه هذه المنطقة، إلا أن العالم ترقب لحظة إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 م، والتي أظهرت تفوق المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” تفوقاً كاسحاً بعد حصوله على 277 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538، متجاوزًا منافسته الديمقراطية، نائبة الرئيس جو بايدن (كامالا هاريس)، التي حازت 226 صوتا، فيما كانت الأصوات المطلوبة لتحقيق الفوز 270 صوتا. وبهذه النتيجة يعود الرئيس السابق، البالغ من العمر 78 عاما إلى البيت الأبيض مجددا لولاية ثانية بعد حملة طويلة عرفت الكثير من التقلبات وتعرض فيها لإدانة قضائية ومحاولتي اغتيال.
في ظل حالة عدم الاستقرار والفوضى السائدة في منطقة الشرق الأوسط، ووسط التحليلات والتوقعات عن الخطوط العريضة وملامح سياسة دونالد ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط من المتوقع أن تؤدي عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأميركية تجاه هذه المنطقة.
سنتناول في هذا المقال بعض توقعات نهجه المحتمل تجاه أبرز الملفات الحساسة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال الاعتماد بشكل رئيس على تعهداته خلال حملته الانتخابية، إضافةً إلى الاستفادة من بعض الخطوط العريضة لسياسته الخارجية خلال الفترة الرئاسية الأولى له، وفيما يلي نستعرض أهم الملفات:
أولاً – القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إسرائيل:
انطلاقاً من الدعم اللامتناهي والاتفاقيات التي أبرمها ترامب في ولايته الأولى، تُشير التحليلات إلى توجه ترامب إلى زيادة دعم إسرائيل إضافةً إلى توسيع نطاق الاتفاقيات لتشمل دولاً أخرى. كذلك، سيعزز دعمه لإسرائيل في أي مفاوضات تتعلق بالقضية الفلسطينية، مع تبني سياسات قد تصب في صالح إسرائيل بشكل أكبر.
وقد يلجأ ترامب إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرارات دولية تدين التصعيد الإسرائيلي، ويضغط على حلفاء الولايات المتحدة لتجنب اتخاذ مواقف تنتقد إسرائيل، وهذا سيوفر غطاءً دبلوماسيًّا لإسرائيل في حال تصاعدت الانتقادات الدولية ضدها.
طوال حملته الانتخابية، لم يحدد ترامب كيف سيتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس إذا أُعيد انتخابه، أو كيف ستختلف سياساته عن سياسات سلفه جو بايدن. في أبريل/ نيسان الماضي، قال ترامب إن إسرائيل بحاجة إلى “إنهاء ما بدأته” و”إنهائه بسرعة”، مشيرًا إلى أنها “تخسر حرب العلاقات العامة” بسبب الصور القادمة من غزة.
لذلك، تتجه التحليلات إلى اعتبار فوز ترامب في الانتخابات الرئاسيّة لعام 2024 م السيناريو الأمثل لأقصى اليمين الإسرائيلي، الذي يتزعّم معسكره اليوم حزب اللّيكود الإسرائيلي.
وعلى الرغم من الانتقادات العلنيّة والمتكررة التي وجهها ترامب مؤخرًا لنتنياهو كشخص، نراه ينسجم مع اتجاهات هذا المعسكر السياسي، الذي يرفض فكرة العودة إلى حدود العام 1967، ولا يرغب بوقف بناء المستوطنات، فضلًا عن مناهضة أي محاولة لإنعاش السلطة الفلسطينيّة.
وفيما يختص بالحرب الدائرة حاليًا من المرجّح ألا تُظهر إدارة ترامب الكثير من الحماسة للتدخلات العسكريّة الفاعلة في المنطقة، بالقدر الذي أظهرته إدارة جو بايدن في دول عدّة مؤخرًا، حيث أن ترامب يؤمن بنظريّات الانكفاء العسكري ووقف استنزاف الموارد الأميركية، ضمن الحدود التي لا تُفقد الولايات المتحدة هيمنتها الإستراتيجية. وهذا ما سيجعل إسرائيل تخسر هذا الدور المُوازن للدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن.
ثانياً – العلاقة مع دول الخليج:
فيما يتعلق بالعلاقة مع دول الخليج العربي يوجد الكثير من التساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة، فهل ستكون هذه العلاقة قوية؟ أم هل طوت دول الخليج نهائيا صفحة ترامب واستثمرت في علاقات أخرى مع لاعبين عالميين جُدد على غرار الصين والهند وروسيا؟
ازدهرت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب الأولى. فقد سجل تاريخا باختياره الرياض لأول زيارة خارجية له كرئيس في عام 2017 م، ووقف إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان خلال الأزمة المحيطة بمقتل جمال خاشقجي في عام 2018، عندما واجه ابن سلمان عزلة عالمية.
خلال فترة ترامب الأولى انخرطت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حروب في اليمن، وكانت علاقات البلدين مع إيران في أسوأ حالاتها منذ عقود، ولكن دول الخليج عدلت سياساتها الخارجية بشكل كبير منذ ذلك الحين، واختارت الحد من تدخلاتها العسكرية والتواصل مع أعداء سابقين مثل إيران.
مما سبق يمكن القول أن موضوع علاقة دول الخليج مع إيران سيخضع لضغوط من الإدارة الأميركية الجديدة، وذلك نظراً للعلاقات المحسنة بين دول الخليج وإيران.
إضافةً لعلاقة دول الخليج مع إيران، فإن أحد التحديات التي قد تواجهها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في عهد ترامب هو إدارة علاقاتها الوثيقة مع الصين. على مدى السنوات الماضية، وسعت الدول المنتجة للنفط علاقاتها التجارية والتكنولوجية مع الصين.
لقد استخدمت الرياض وأبو ظبي التكنولوجيا الصينية للبنية الأساسية الرئيسية، وعلى الرغم من التعهدات بالحد من نفوذ بكين على قطاعات الذكاء الاصطناعي الناشئة، فقد اعتمدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل متزايد على الخبرة الصينية.
فمن المحتمل وبشكل كبير أن تمارس إدارة ترامب ضغوطاً على دول الخليج لفك ارتباطها بالصين، وخاصةً بعد أن تمت دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى مجموعة دول البريكس للدول النامية، كما مُنحت المملكة العربية السعودية وضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون.
ولكن بشكل عام يمكن القول أن مقاربة ترامب الإيجابية تجاه النظام السعودي خلال ولايته الأولى تدفع للاعتقاد بأن فوز ترامب في الانتخابات المقبلة قد يصب في مصلحة السياسة الخارجيّة التي ينتهجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تعارضت توجّهاته بشكلٍ واضحٍ مع نهج إدارة جو بايدن الحاليّة.
ثالثاً – العلاقة مع إيران:
من المرجح أن يجدد ترامب حملته “للضغط الأقصى” لحرمان إيران من الموارد. وقد تتخذ الولايات المتحدة في الوقت نفسه إجراءات عسكرية أكثر حدة ضد الحوثيين في اليمن، الذين ما زالوا يلحقون الدمار بشحنات البحر الأحمر.
وقد توضح الولايات المتحدة أيضًا أنها جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، ستحمل إيران المسؤولية المباشرة عن الهجمات بالوكالة – وهي سابقة أسسها ترامب بقتل الجنرال قاسم سليماني في عام 2020 – بدلاً من منح طهران حصانة استراتيجية من خلال الرد فقط ضد الوكلاء أنفسهم. وقد تمنح الولايات المتحدة إسرائيل أسلحة واستخبارات إضافية لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية – ربما حتى الانضمام إلى هذا الهجوم نفسه – ما لم تقبل طهران اتفاقًا نوويًا أكثر صرامة من الاتفاق الذي خرج منه ترامب في عام 2018 م، وفي هذا الإطار فمن المتوقع تعزيز العلاقات الدفاعية والتكنولوجية الأمريكية مع السعوديين – والتي من شأنها أن تعزز التحالف المناهض لإيران.
وقال علي فايز -مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية-: إن العامل المهم في علاقة إيران بالرئيس الأمريكي المقبل سيكون هو كيفية رد ترامب على التقارير الاستخباراتية الأمريكية الأخيرة التي تشير إلى أن طهران حاولت اغتياله؛ وهي المزاعم التي رفضتها إيران ووصفتها بأنها: “لا أساس لها من الصحة وخبيثة”، لكنه شدد على أهمية التمييز بين ترامب وإدارة ترامب.
وأضاف أن “ترامب قد ينجذب إلى إغراء التفوق على الإيرانيين على طاولة المفاوضات لأن ذلك سيكون بالنسبة له الاختبار النهائي لمهارته في فن عقد الصفقة”، مشيرا إلى أنه خلال فترة ولايته الأولى، كان منجذبًا إلى احتمال عقد صفقة مع إيران.
ورأى فايز أن إحياء نهج “الضغط الأقصى” الذي ينتهجه ترامب قد يقترن بسياسة “الدعم الأقصى” للشعب الإيراني، وهي سياسة محتملة لتغيير النظام. وقال إن هذا من شأنه أن يجعل من غير المرجح أن تعود الدولتان إلى طاولة المفاوضات.
رابعاً – العلاقة مع مصر:
قد تعود العلاقات إلى مستوى مُميز من التعاون الأمني والسياسي، حيث يَعتبر ترامب الرئيس السيسي شريكًا قويًّا في مواجهة الإرهاب. وقد يركز على دعم الاستقرار في مصر لتعزيز دورها في محاربة الإرهاب وحفظ السلام في المنطقة، مع مواصلة دعم اقتصادها عبر التنسيق مع المؤسسات الدولية. هذا بالإضافة إلى موقفه الواضح الداعم لمصر في قضية سد النهضة.
بقلم الباحثة/
ميده أنور عبد الحي
ماجستير علاقات دولية – جامعة دمشق – سوريا