المعونة العسكرية 

قوة الولايات المتحدة الأميركية الناعمة في منطقة الشرق الأوسط

تردد على مسامعنا في الآونة الأخيرة خبرٌ، مفاده أن الولايات المتحدة الأميركية قررت منح جمهورية مصر العربية المعونة العسكرية بشكل كامل، وهذا يحصل للمرة الأولى في عهد الرئيس جو بايدن، حيث تقرر منح القاهرة المساعدات العسكرية كاملة بقيمة 1.3 مليار دولار لهذا العام من دون أي استقطاعات، أو اشتراطات تتعلق بحقوق الإنسان، ومعنى ذلك أن تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مُقدمان على كفالة حقوق الإنسان لدى الإدارة الأمريكية حاليا؛ وذلك من أجل “مصلحة الأمن القومي الأمريكي”، حسب بيان لمتحدث الخارجية الأمريكية؛ وأي حقوق إنسان ستتحدث عنها الإدارة الأمريكية ضد مصر ظل إبادة جماعية تقوم بها إسرائيل على الحدود الشرقية لمصر، ولم تتحدث عنها الولايات المتحدة؟!

هذا القرار يُـثير عدة تساؤلات تتعلق بأهداف الإدارة الأميركية من اتخاذ قرار كهذا في ظل أوضاع فوضوية وغير مستقرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط. 

وقبل استعراض أهم النقاط والأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لمنح القاهرة المعونة كاملة لابد من إعطاء لمحة تاريخية بسيطة عن هذه المعونة.

– البدايات الأولى للمعونة العسكرية الأميركية:

في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل 17/ 9/ 1978 م، والمعروفة بـ (اتفاقية كامب ديفيد)، بدأت مصر بتلقي مبلغ ثابت من الولايات المتحدة من وقتها، عام 1982م قررت الولايات المتحدة تحويل المعونة الاقتصادية والعسكرية السنوية إلى منح لاترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، المعونة تنقسم إلى شق اقتصادي يبلغ 250 مليون دولار، وشق عسكري يبلغ 1.3 مليار دولار.

هذه المعونة ترتبط بالحصول على مساعدة القاهرة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، إضافةً لالتزامات سياسية وأمنية تجاه واشنطن وتل أبيب، والعديد من المصالح الاستراتيجية.

 تستخدم مصر المعونات العسكرية التي تحصل عليها في شراء معدات عسكرية أميركية، وهذا يشمل إصلاح قطع ومعدات عسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وإرسال مستشارين فنيين، وتدريب عسكريين مصريين.

في هذا الإطار لابد من القول أن إجمالي ماحصلت عليه مصر خلال العقود الماضية منذ توقيع اتفاقية السلام يبلغ نحو 80 مليار دولار أميركي؛ وتمثل المعونات الأمريكية ما لا يتجاوز عن 2 % من إجمالي الدخل القومي المصري.

كما تناولنا سابقاً هذه المعونة لم تنقطع منذ عام 1978 م، إلا أنه يُفرض عليها قيود واشتراطات تتعلق بحقوق الإنسان، وهذه الاشتراطات تمنع من أن تٌمنح هذه المعونة بقيمتها الكاملة لمصر، إلا أن قرار جو بايدن بمنح المعونة كاملة لهذا العام لا يرجع إلى عامل أو سبب واحد، وإنما يمكن تفسيره من خلال مجموعة من الأسباب المترابطة، والتي لا يمكن عزل إحداها عن الآخر، ومن أهم هذه الأسباب:

*أولاً- تثمين جهود القاهرة في مساعي وقف إطلاق النار في غزة:

منذ بداية الحرب على غزة ومصر تسعى للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولات ضبط النفس لحدودها الشرقية، ومن ناحية أخرى لابد من القول أن واشنطن تضع مصالحها بالمرتبة الأولى في علاقتها مع القاهرة بشكل عام، وبمنحها المعونة العسكرية كاملةً بشكل خاص حيث تسعى واشنطن إلى وقف حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين، والحصول على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ويعول البيت الأبيض على الرئيس عبد الفتاح السيسي للقيام بأمرين:

الأول: ممارسة المزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية، من خلال إغلاق الأنفاق الحدودية، ووقف التهريب وزيادة التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل.

الثاني: المساعدة في إعادة الإسرائيليين المحتجزين كسجناء في غزة، وإنهاء الصراع بين كيان الاحتلال وحماس.

*ثانيا- الإصرار الإسرائيلي للبقاء في منطقة فيلادلفيا الحدودية بين قطاع غزة ومصر:

تتزايد المزاعم الإسرائيلية حول هذه المنطقة، وخاصةً خلال الفترة الأخيرة، وهذه المزاعم تدور حول اعتبار هذه المنطقة قناة وأنبوب لحركة حماس تستخدمه لتهريب الأسلحة من مصر إلى قطاع غزة، الأمر الذي أثار توترًا بين مصر وإسرائيل، ومقابل ذلك مصر التزمت قدر الإمكان بضبط النفس، وبالتصريحات التي تنفي المزاعم الإسرائيلية، مما سبق يمكن القول أن منح المعونة كاملة للقاهرة يندرج تحت إطار استرضاء القاهرة في ظل دعم الولايات المتحدة اللامتناهي لإسرائيل.

*ثالثاً- أهمية مصر استراتيجياً، ودورها في أمن المنطقة ككل:

إن مصر هي أكبر دولة عربية، وهي عامل استقرار في الشرق الأوسط حيث تمتلك مصر قناة السويس، وهي المضيق الاستراتيجي الأكثر حيوية في العالم، ومن المهم للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تكون قناة السويس في أيدٍ قوية وصديقة.

من ناحية ثانية فإن واشنطن تدرك أهمية دور القاهرة في مفاوضات غزة، وأنها الأقدر على التعامل مع الجانب الفلسطيني، وتحتاج إليها كوسيط موثوق فيه، كما أن صرف المعونة متعلق بدور مصر في أمن المنطقة ككل، واستدامته في مكافحة الإرهاب، وجهودها في حل القضايا العالقة في ليبيا والسودان والصومال.

*رابعاً- إحراز مصر تقدماً فيما يتلعلق بقضايا حقوق الإنسان:

قبل الحديث عن الجهود التي بذلتها مصر في قضايا حقوق الإنسان لابد من التذكير بنقطتين أساسيتين:

  1. الولايات المتحدة الأميركية تستخدم مصطلح “حقوق الإنسان” كمسوغ وأداة لتحقيق أهدافها، والضغط على الدول سياسياً واقتصادياً لتحقيق مصالحها والحفاظ على مكانتها الدولية.
  2. استمرار الانتقادات الموجهة لمصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، إضافة إلى التناقض بين تصريحات أنتوني بلنكن وما بين أحدث تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية مفاده أنه لم يكن هناك تغييرات كبيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

الخارجية الأميركية صرحت أن مصر بذلت هذا العام جهودًا كافية في شأن السجناء السياسيين، فقد قامت مصر بالإفراج عن العديد من المعتقلين وسجناء الرأي، إضافةً إلى إجراء مصر تعديلات على قانون الحبس الاحتياطي وبدء تنفيذ توصيات الحوار الوطني، فضلاً عن الإفراج عن عدد كبير من السجناء السياسيين، وفي أغسطس (آب) الماضي وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي باتخاذ الإجراءات القانونية نحو إصدار قرار بعفو رئاسي عن 600 محكوم عليهم في جرائم مختلفة. وكان عضو لجنة العفو الرئاسي محمد عبدالعزيز قال عام 2023 إن اللجنة أسهمت في الإفراج عن 1400 من المحكوم عليهم.

  • خامساً: الحضور العسكري المصري المحتمل في الصومال:

انطلاقاُ من بروتوكول التعاون العسكري الموقع مؤخراً بين البلدين، فإن إرسال مصر شحنة من المساعدات العسكرية إلى الصومال، هي الثانية خلال أقل من شهر يعتبر أمر طبيعي جاء انطلاقاً من مساعدة الجيش الصومالي، ورفع كفاءته القتالية للتعامل مع عمليات (منظمة الشباب) الإرهابية عبر الخبرات الكبيرة للجيش المصري، وثانياً دعم وحدة الأراضي الصومالية برفع كفاءة قواتها المسلحة، وثالثاً تعزيز مشاركة مقديشو في تأمين قناة السويس من باب المندب.

الصومال تُعد دولة استراتيجية لمصر، ويجب أن تتعاونا معاً خصوصاً أن لهما مواقف مشتركة فيما يتعلق بالتحركات الإثيوبية، والأمن المائي المصري.

مما سبق يمكن القول أن قرار الولايات المتحدة بمنح المعونة كاملةً شكل صدمة لكثير من المحللين والأكاديميين، كما أن الآراء التي فسرت أسبابه تعددت، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن موضوع المعونة منذ بدايته يُعتبر محور جدل، ونقطة اختلاف حيث تتنوع الآراء اتجاهه بين مؤيد لهذه المعونة، واعتبارها أمر طبيعي ولابد منه بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام 1978 م، أما التيار المعارض لهذه المعونة يرى فيها تحكماً في القرار السياسي والاقتصادي المصري، ومراقبة لتسليح الجيش المصري، والتحكم في نوعية ومصادر السلاح، خاصة أن الجزء العسكري من المعونة مخصص لشراء المعدات العسكرية من المصانع الأمريكية وخدمات الصيانة وغيرها، بل ذهب البعض للقول؛ أن “المعونة العسكرية الأمريكية يتم بها شراء سلاح أمريكي الصنع، وقطع غيار أمريكية، يتم شحنها على سفن أمريكية، ما يعني أنها في النهاية مفيدة للمصانع الأمريكية وللمواطن الأمريكي، وأن أمريكا تمنح الدعم للشعب الأمريكي وليس لمصر”.

ميدا أنور عبدالحي

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *