الحماية القانونية للأشخاص ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة في التشريع العراقي

لا قيمة للنصوص القانونية مالم تقترن بإمكانات التنفيذ الصحيح والا تغدو حبراً على ورق؛ لذا قرر القانون الحقوق وفرض لها أوجه الحماية المتعددة، ويُعد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، ولأجل ذلك لابد أن يكون لهم الحق في الانتصاف وأن تتوافر لهم الحماية القانونية اللازمة في مختلف مجالات حياتهم وفقاً لظروفهم الخاصة بما يسهم في زيادة تفاعلهم مع مجتمعاتهم، ويُشكل ذلك تمييزاً إيجابياً لهم. 

ولقد تطورت أوجه الحماية المقررة لهم مع تطور المجتمعات الإنسانية على مر العصور المختلفة، فبعد أن كان يُنظر إليهم في العصور القديمة بنظرة دونية، تغيرت لتكون عطفاً أو شفقةً أو إحساناً، ولتتحول بعد ذلك إلى الرعايةِ وتقرير الحقوق ومن ثم المشاركة في المجتمع، وإدارة ذوي الاحتياجات الخاصة لشؤونهم بأنفسهم. 

وتزايد الاهتمام بهم من خلال تقديم الخدمات والبرامج التأهيلية وتوفير البيئة المناسبة لهم ليمارسوا حياتهم ويتخذون القرارات الخاصة بهم، وليتحولوا من أشخاص متلقين للخدمة فقط إلى منتجين وفاعلين في مجتمعاتهم، وهذا ما كان لهم في كثير من الدول، فأبهروا العالم بما وصلوا إليه بمجرد ما توافرت لهم البيئة المناسبة والدعم من المجتمع الذي ينتمون إليه. 

وتزايد اهتمام المجتمع الدولي بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الربع الأخير من القرن العشرين ليتمخض عنه إعلان حقوق المتخلفين عقلياً في عام 1971 م، وإعلان حقوق المعاقين في عام 1975 م، لتتوالى بعد ذلك الإعلانات والمواثيق الدولية التي تضمنت اعترافاً بحقوقهم وأوجبت رعايتهم، وإعلان اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة إذ يُصادف يوم 3 ديسمبر من كل عام، وهو يوم عالمي خصص من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1992 لدعم ذوي الإعاقة، ويهدف هذا اليوم إلى زيادة الفهم لقضايا الإعاقة ودعم التصاميم الصديقة للجميع من أجل ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يدعو هذا اليوم إلى زيادة الوعي في إدخال أشخاص لديهم إعاقات في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.

وانتهى الجهد الدولي في هذا المضمار باتفاقية حقوق المعاقين لسنة 2006 والبروتوكول الاختياري الملحق بها. وأولى العراق اهتماماً بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال دستوره الدائم لعام 2005 م، وبانضمامه إلى اتفاقية حقوق المعاقين لعام 2006 م، والمصادقة عليها في عام 2012 م، وسنه قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لعام 2013 م.

  إن صدور هذا القانون يُعد من العوامل الأساسية كونه أحد الالتزامات الأساسية الناتجة عن انضمام العراق إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة ۲۰۰٦ م، فضلاً عن النصوص المتفرقة في متون القوانين الأخرى ذات الصلة، حيث فُرضت الحماية القانونية التي تضمنتها القوانين العراقية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كونهم يشكلون نسبة غير قليلة في العراق، ولأسباب كثيرة أهمها الحروب وتأثيرات الأسلحة المستخدمة والملوثة للبيئة والمؤثرة على صحة الإنسان واستمرار تعرض السكان لها منذ أربعة عقود، زيادةً على ضعف الرعاية الصحية أو عدم وصولها وحوادث المرور والعوامل الوراثية وسوء الخدمات الأخرى المقدمة وجملة أخرى من المسببات للإعاقة أو الاحتياج الخاص، فالعناية بذوي الاحتياجات الخاصة زيادةً على كونها واجباً إنسانياً ودينياً وأخلاقياً أضحت واجباً أو التزاماً قانونياً على الدول، فكل فرد منهم في المجتمع من حقه أن يعيش بكرامة وأن يشعر بإنسانيته دون تمييز بسبب إعاقته أو احتياجه الخاص، ولذلك يقرر القانون لهم حقوقاً خاصةً بهم، ويفرض لها الحماية لتحسين حياتهم وتنظيم أوضاعهم ليتغلبوا على ضعفهم ومصاعبهم وليتفاعلوا مع مجتمعهم، وإزالة وتخفيف العقبات التي تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي.

د. أوج عماد العبيدي – مجلس القضاء الأعلى – العراق

1 thought on “الحماية القانونية للأشخاص ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة في التشريع العراقي”

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *